السراج الاسنوى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

السراج الاسنوى

السراج الاسنوى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اسلامي صوفي اوراد وادعييه واحزاب للصوفيه


    كتاب الفيوضات الربانية لسيدى أحمد بن ادريس كاملا للقراءة الفصل الثاني : معني التجلي

    avatar
    الامير شهيب


    عدد المساهمات : 9
    تاريخ التسجيل : 11/09/2010

    كتاب الفيوضات الربانية لسيدى أحمد بن ادريس كاملا للقراءة الفصل الثاني : معني التجلي Empty كتاب الفيوضات الربانية لسيدى أحمد بن ادريس كاملا للقراءة الفصل الثاني : معني التجلي

    مُساهمة من طرف الامير شهيب الأحد سبتمبر 12, 2010 5:22 am

    الفصل الثاني : معني التجلي

    سؤال عن معنى التجلي ما هو التجلي ؟.

    أجيب : التجلي هو ظهور نور الحق

    وينقسم إلى تجلي أفعال وأسماء وهو المعنى بتجلي الصفات فتجلى الأسماء وتجلى الصفات واحد والثالث تجلى الذات

    أما (تجلي الأفعال) فهو إظهار الأفعال الإلهية

    وأما (تجلي الأسماء أو الصفات) : فهو عبارة عن إظهار آثار الأسماء الإلهية كأن يتجلى على أحد باسمه العليم فيعلمه علما من لدنه ، وذلك هو التجلي بصفة العليم فلا يعرف التجلي بالاسم إلا بإشارة ، فإذا علم شيئاً علم أن التجلي بصفة العلم ، اقتدار على شئ كقدرة أصف على نقل عرش بلقيس عليم أنه التجلي بصفة القدرة وهكذا

    وأما تجلي الذات : فهو ظهور ذات مقدسة بلا كيف ولا جهة ولا مكان ولا زمان ولا نور ، وإذا ظهرت لا ترى هناك صفاته متميزة فيها بل هي الذات لا غير ، وأما الصفات فتعرف بظهور الآثار مثلا ، ولله المثل الأعلى

    العبد تكون له الصفات متعددة يكون كريما وشجاعا وخياطا ونجارا وكاتبا وغير ذلك ولا يرى شئ من الصفات في ذاته ولا يطلع على أنه متصف بهذه الصفات إلا بصدور آثارها منه ، فإن أعطى عرفت أنه كريم وإلا لم يطلع عليه ولو كان كريما في نفس الأمر ، وإذا تقدم بنفسه في المهالك علمنا أنه شجاع ، وإذا كتب علمنا أنه كاتب وإذا خاط كذلك وهكذا ، والحال لا يدرك بالبصر شئ من ذلك متميزاً في ذاته بل هي عينه

    سؤال : عن التجلي الذي صعق منه سيدنا موسى من أي أقسام التجلي هو ؟

    وجوابه أنه من تجليات العظمة ومنه (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) وفيه مدح له r حيث لم يتصدع . ومعناه لو تجلينا بجمعيتنا لأن القرآن في اللغة هو الجمع ، ومعناه ظهرنا في القرآن بجميعه الأسماء

    قال أمير المؤمنين سيدنا على بن أبي كرم الله تعالى وجهه ، في الجنة " الحق يتجلي لعبيده في القرآن ولكن لا يعرفونه " والتجلي بجمعية كلية الأسماء لا يوجد معناه . ثم تارة يكون التجلي في الصورة ليمكن التحقق كقوله r : (رأيت ربي في أحسن صورة) فالحق لا ينزه عن الصورة وإنما ينزه عن الانحصار ، وقد تجلى لموسى عليه السلام في النار فقال (قال لأهله امكثوا إني آنست نارا) وذلك أنه لما قدم من مدين يريد مصر هو وأهله ووصل إلى الطور وكانت أهله حينئذ حاملا فوضعت تلك الليلة ، وكانت شاتية شديدة البرد ، فاحتاج إلى النار للمرأة والابن الصغيرة ، فرأى نارا بجانب الطور وهو تجل من تجليات الحق تجلى له في الصورة يتبعها بعيداً عن أهله (قال لأهله امكثوا إني آنست نارا) لأنه لو حصل له التجلي بقرب المرأة وحصل منه ما حصل من كون العصا تهتز كأنها جان وهروبه منها لكان فيه بعض ضرر على المرأة لكونها ضعيفة ، فلربما حصل لها ولجنينها هلاك ثم قال (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها) فليس المراد بمن في النار الحال فيها بل المراد عينها أي المقصود في صورة النار

    وقوله (بورك من في النار) هو الله كقوله (تبارك الله رب العالمين) وقوله (ومن حولها) موسى عليه السلام فإنه رسول مبارك ثم قال (وسبحان الله رب العالمين) أي سبحانه أن يحصر في مكان أو صورة فإنه ذلك في السماوات وفي الأرض ، والتجلي وإن كان في النار فهو مجموع فيه كل شئ في عين كونه في النار ولا يعرف ذلك إلا بالذوق فلا تبلغه العبارة على حقيقته ، والحاصل إن لم تكن من السابقين بمعرفته فكن من اللاحقين بالإيمان به

    وإذا لم تر الهلال فسلم لأناس رأوه بالأبصار

    ولا تكن من الخاسرين بالإنكار فتكون من الذين كذبوا بما لم يحيطوا به علماً (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد)

    فإن قيل : ما بال سيدنا موسى عليه السلام في هذا التجلي لم يصعق مع أنه في بدايته بالنسبة إلى الذي صعق منه ؟ وهو قوله (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا)

    والجواب : أن هذا ابتدأه الحق باختياره بلا طلب فأعطاه القوة له . وذلك طلبه هو من عند نفسه فلم يعطه الحق القوة يتحمل بها ولما استعجل الرؤيا سيدنا موسى عليه السلام استعجلها قومه وطلبوها (فقالوا أرنا الله جهرة)

    رأي بعض الأولياء سيدنا موسى : r فسأله عن حديث (أكان ممن استثنى الله) فقال : إني جوزيت بصعقة الطور ، فقال له : إن الرسول r قال : (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) فقال إن الصعقة كانت موتا وقد سمى الله الصعقة موتا (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم) أي صعقتكم التي هي الموت

    وقوله (فلا تجعلوا لله أندادا) تفريع هذه الجملة عما قبلها ، يقول هذه الأرزاق قوة لأبدانكم أعطيتكم إياها لتستعينوا بها على عبادة غيري (قوله أندادا) الند المساوي (تالله إن كنا لفي ضلال إذ نسويكم برب العالمين) وقال (تجعلوا) ليعم وجوه الاتخاذ كلها فلذلك لم يقل تعبدوا وقد فسر الحق ذلك في الآية التالية بقوله (يحبونهم كحب الله) بعد أن قال (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا)

    كأنه قيل : يا رب كيف يتخذونهم أندادا ؟ فقال (يحبونهم كحب الله) أي إذا تعلق القلب به كتعلقه فقد اتخذه ندا

    فالقرآن آيات بينات يبين بعضه بعضا فهو شريك في المحبة فمن أحب شيئاً مع الله فقد أشرك مع الله في المحبة ، وأقسام الشرك ثلاثة مذكورة في القرآن :

    (أحدها) : شرك التسوية وهو المذكور في قوله : (يحبونهم كحب الله)

    (الثاني) : أن يحب ذلك الشئ أكثر من الله ، وهو المذكور في قوله تعالى : (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)

    وجعلهم أعداء فتوعدهم ، وأبهم المتوعد به حتى يأتي الله بأمره للتهويل كقوله : (ولا يزال الذي كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله) أي تنزل قريباً منهم حتى يأذن لها الحق بالنزول عليهم فتنزل عليهم ، فجعل هذه الأشياء كلها من قوله (وآباؤكم وأبناؤكم) إلى آخره شركاء وكل من أحب غير الله فقد اتخذه ربا وصار هو عبده ، وفي الحديث " تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش "

    وقوله (والله لا يهدي القوم الفاسقين) من جنس إبليس (ففسق عن أمر ربه) فالفاسق هو الذي فسدت عبوديته وذلك فساد سعادته من فسقت البيضة إذا فسدت ولم تصلح للتفريخ ، فجعلهم عبيداً لهذه الأشياء بمعنى عبادا لها يعبدونها من دون الله وليس المراد أنهم يسجدون لها بل يحبونها ويشتغلون بها عن ربهم ، والأمر ليس مختصا بهؤلاء بل مراده كذلك عبد الفرس وعبد البندق وعبد المرأة وعبد الكتاب ، ومن ثم رأى بعض الصوفية بعض طلبة العلم بين أيديهم كتب فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟! ما دام في قلبه بصيرة عمى عن غيره ، حبك الشئ يعمى ويصم أي عن غير المحبوب فهو يقول : إذا تعلق القلب به كتعلقة بالله فقد اتخذه ندا

    قال r (لكل أمة عجل وعجل أمتي الدنانير والدراهم) ولا أحد من هذه الأمة سيسجد للدينار والدرهم ، ولكن لما كانت لهم سماها عجلا ولو لم تصنع عجلا والعجل هو الصنم

    القسم الثالث :

    وهو أول درجات الإيمان أن يحب الله ويحب معه شيئاً ولكن يغلب محبة الله على محبة ذلك الشئ ، وهو وإن كان في الجملة شركاً لكنه مغتفر ، وهو الذي قال الله فيه (والذين آمنوا أشد حباً لله) فجعل التفضيل على بابه ، ويحتمل أن يكون المراد الكامل الإيمان فيكون اسم التفضيل ليس على بابه كقول يوسف (السجن أحب إلى مما يدعونني إليه) فإنه لا يحب ما يدعونه إليه

    وكقوله تعالى (وهو أهون عليه) أي مستو عليه البدأ والإعادة فلا تفضيل على فهم من قال كذلك وإلا فالآية الكريمة لا ينبغي فيها ذلك ، فإن الحق يخاطب الناس بعرفهم فمن كانت له مادة أهون مما لا مادة له لأنها صارت تراباً وبقي عجب الذنب

    والمعنى الذين آمنوا شديدو المحبة لله فهم يحبون الله وحده لكونهم لا يشهدون غيره في الكون حتى – يحبوه إذ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وليس في الوجود إلا ذلك وهذا المشهد هو مشهد سيدنا ومولانا رسول الله r .

    فمن ثم كن يقول (اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ ، وأنت الآخر فليس بعدك شئ ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ ، وأنت الباطن فليس دونك شئ) والتحق به r طائفة الصوفية فهم الذين خلصوا النخالة من الدقيق التخليص الكلي ، ولا يزال أحدهم يغربل فيخرج الكبار حتى يترك الدقيق الناعم الذي يجعل في العين ، فهم كأصحاب سيدنا محمد r لا نخالة فيهم

    دخل بعض الصحابة على أحد الأمراء فقال له : حدثني حديثاً عن رسول الله r قبل أن تجلس ، فقال له : سمعت رسول الله r يقول " إن من شر الدعاة الحطمة " فقال له اجلس فإنك من نخالة أصحاب محمد ، فقال له وهل في أصحاب محمد نخالة ؟

    ومعنى (من شر الدعاة الحطمة) هم ، الذين يحطمون أموال الناس حطما أي يأكلونها أكلا ، وقال r : " ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطمهم بالأمانة والتضحية إلا ضاقت عنه يوم القيامة رحمة الله التي وسعت كل شئ " وقال r " إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في ملكه فجار في حكمه "

    وهذا شامل لكل أحد فإن أقل ما هناك أن يستر عيبه وأعمال جوراحه فلا يعدل فيها وينصحها بأن يستعمله في طاعة الله

    قال r : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" فكل منا أشركه الحق في ملكه فجعله ملكا على جوارحه ، وقد أشار الرسول إلى ما ذكرنا بل صرح به في الصحابة الذين بهم زين هذه الأمة وأعلاها ؛ لأن كل واحد نده وشركيه بحسب مقامه ، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فقال r لأبي بكر : " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل على الصفا الأملس "

    وإذا كان كذلك فلا يشعر به إلا من كان له حواس حادة جداً فإن من الشرك أن يقول الرجل : ماء شاء الله وشاء فلان ، فإن الواو في لغة العرب للتشريك ، فإن كان ولابد فيجعل بينهما ثم شاء فلان ، لأن ثم تقتضي البعدية فتكون مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب متأخرة عنها ، وإن من الناس من يقول لولا فلان لقتلني فلان

    وإذا كان هذا القدر شركاً فما بالك بما وراءه ؟! فتبين لما قررناه أن للإيمان ثلاث مراتب : دون ووسط وأعلا ، وللشرك ثلاث مراتب : دون ووسط وسفلى

    فللإيمان درجات كما أن للشرك درجات :

    فأول مراتب الإيمان : أن يغلب محبته على محبة غيره ، محبة طبيعية كالولد

    والثانية : أن يحب الله ويحب معه شيئاً محبة شرعية كأن يحب الشئ لا يحبه إلا لله كالمال للصدقة والسلاح للجهاد ؛ أو يحب أحداً لكونه عبداً لله أو آية لله ، فإن من أحب الآية من حيث كونها آية وأثرا على موجدها فهي محبة لله ، فمن أحب غيره من أجله فقد أحبه بالأولى

    والثالث : أن يستغرقه الحق عن كل شئ ويصير الحق سمعه وبصره كما يليق بجلاله ، وآيته من كتاب الله (فأينما تولوا فثم وجه الله)

    محق وسحق وأعدم الكون من نظره جملة واحدة ما عدا الحق سبحانه وتعالى ، فلا يشهد في الوجود غير الله إذ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وليس في الوجود إلا ذلك

    وهذا مشهد سيدنا ومولانا محمد رسول الله r من الوجه الذي من الله : " اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ ، وأنت الآخر فليس بعدك شئ ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ ، وأنت الباطن فليس دونك شئ "

    فصاحب هذا المقام لا يأكل طعاماً عن شهوة نفس فضلاً عن غيره ، بل يأكل حفظاً للأمانة التي أمره الحق بحفظها وهى النفس لكونها نفس الله أي ذاتية الله التي اشتراها منه يقول : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)

    ومنه قول بعضهم : " كلوا الطعام على شهوده فإن نزلت المرتبة فعلى ذكره " فإن الأكل على الغفلة حرام في تشريكه الإرادة ... الخ فيكون من الذين لأماناتهم وعهدهم راعون

    وأما درجات الشرك فثلاثة

    (الأول) : أن يحب شيئاً سوى بينه وبينه بالمحبة (يحبونهم كحب الله) (إذ نسويكم برب العالمين)

    (المرتبة الثانية) : التي أسفل من هذه أن يغلب جهة حب ذلك الشئ وهي التي في قوله : (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله)

    فهذه أقبح من تلك فصاحبها أخسر من صاحب تلك

    لطيفة : يصح أن يكون أفعل التفضيل ليس على بابه وتكون من تعليلية ، فيصير معنى الكلام حبب إليكم من أجل الله ورسوله لكونها آيات الله تشهدونه فيها ، فسر عظمته من هذه الحيثية وإن كانت غير عظيمة من حيث ذاتها (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) فلفظ القرآن يفهم منه كل واحد مقصوده في غير تعبير فاللفظ الواحد يخاطب كل واحد في مقامه حين يأتي (كل حزب بما لديهم فرحون)

    وقوله (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) أي تجليه الأكبر فتجدون ما لم تجدوا قبل ذلك ، والشرك بكل وجه هو أقبح الخصال عند الله

    قال رسول الله r : (يقول الله أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً وأشرك فيه غير تركته وشركه) ، وفي رواية (فأنا برئ منه)

    وسئل رسول الله r عن الرجل يجاهد في الغزو ويريد الأجر والغنيمة فقال (لا أجر له) وقال (فلا تقولوا هذا لله وللرحم فإنه لا يقبل إلا ما كان خالصاً) (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) أي شئ من دينار ودرهم وغيرهما فلابد من معرفة أنواع الشرك هذه للتجنب

    كان بعض الصحابة يقول : كان الناس يسألون رسول الله r عن الخير وكنت أسأله عن الشر . لأجل ألا يقع فيه ، قال بعض الحكماء : تعلمت الشر في الخير ، ومن لم يعرف الشر من الخير غالبا يقع فيه فورطة الأنداد هذه كثيرة جدا

    وقوله (أندادا) جمع الحق لأن من الناس من تكثر أصنامه فيحب أشياء متعددة ويشتغل عن مولاه ، لأنه حال شغله بشئ متفرغ له عن غيره فلا يمكن أن يكون في القلب ، ويكون الحق فيه قطعا

    وفي الحكم العطائية : (العمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يقبل عليه) قال بعضهم لبعض الصوفية : عظني ، فقال له : احذره فإنه غيور

    لا يحب أن يرى في قلب عبده غيره ، وإذا كان الإنسان لا يحب أن يعانده في بيته سواه – وهو معنى قول الله (ويحذركم الله نفسه)

    وقال بعض العلماء لبعض الصوفية : عظني فقال له : (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) وكل ما يفرق عن الله أرباب متفرقون

    ووجد بعض الصوفية جماعة من الطلبة بين أيديهم كتب العلم فقال لهم : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟!

    وقال بعض الأولياء لرجل من طلبة العلم بيده كتاب متن مختصر الشيخ خليل المالكي فقال له : هذا صنمك ؟! فقال له : الصنم كائناًَ ما كان ، والله يقول : (اذكروا الله ذكرا كثيرا) وهم لا يذكرون لا كثيرا ولا قليلا ، وأي الصنم أكبر من هذا ؟!

    قال بعضهم : معبود مطاع من دون الله وتدعي التوجي ؟! الدركة الكبرى التي هي أسفل الدركات دركة الدهرين الذين يجحدون الإله ويقولون ما يهلكنا إلا الدهر ، ولقد صدقوا فإن الدهر من أسماء الله ، ولكنهم يطلقون الاسم على الكون فمن هنا أتى عليهم فهم لا يرون فاعلاً في الوجود غير الأيام والليالي ، وكذلك من يجحد الألوهية الحقة كفرعون ونمرود فلا أقبح من هذه الطائفة لأن بعض الكفار يدعون محبة الله ويقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى

    فهم أهون في الكفر من هؤلاء وإن كان الكفر كله قبيحا ، هذه مراتب المحبة ومراتب الخوف مثلها فالخائف من غير الله إما أن يخاف الله لخوفه من سواه أو يخافه أكثر أو أقل فالذي يخاف الله أكثر صاحب مرتبة الاتصال الصغرى ، فإن خاف شيئاً من خلق من أجل الله فصاحب المرتبة الوسطى ، فإن تمحض خوفه لله فهو صاحب المرتبة الكبرى

    والذي سوى بين الحق وغير وهو صاحب الدرجة الأولى في الشركة ، وصاحب الدرجة الوسطى الذي يخاف غيره أكثر منه ، وصاحب الدرجة السفلى من يخاف غير الله فقط لكونه يجحد الإله ، ومن المعلوم لا يخافه إلا من يعرفه ، وهناك ميزان يعرف المرء به نفسه في أي منزلة وهو قول النبي r (من أحب شيئاً أكثر من ذكره) فينظر المرء إلى قلبه فإن وجد ذكر الحق فيه والحضور معه في غالب الأوقات وذكر غيره في النادر فهو صاحب مرتبة الأعيان الصغرى ، فإن كان ذكر الغير مساوياً لذكر الحق فهو المشرك الأول فإن كان ذكر الله أكثر فلا يسأل عن شركه

    والذي يخلص قلبه لجهة الحق ولا يجد في جميع أوقاته قلبه إلا مغمورا بذكره فذلك هو المؤمن الأكبر ، ومن وجد نفسه مستغرقا في الغير فهو العبد الخالص لذلك الغير ليس من الله في شئ كائنا ما كان ذلك الغير إن لم يكن حبه له بالله ، فأنت عبد من أحببته فاختر لنفسك من تختار كما قيل :

    أنت القتيل بأي من أحببته

    فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي

    كان رجل من أهل الثروة شيخا فلقيه أحد أيام البرد في طريق وليس عليه إلا ثوب خفيف لا يقيه من البرد فقال له : ما هذا فقال له : القلب مشجون بالفلوس يعني أنه مستدفء بها في قلبه وأخذ له ذهبا كثيرا أنواعا بعضه قطع وبعضه صيغة فكل يصبرها صبرة ، ويصير ينقى كل صنف وحده ويجلس ينظر إليه الليل كله وهو يشتغل بها ، فإذا جاء الصبح جمعها في ظرفها وهكذا كل ليلة

    فهذا هو الصنم بعينه والحاصل أن الشغل بغير الله من الجهل لأن الله خلق لنا كل شئ .. وخلقنا له ، وإذا كان كل شئ مسخرا لنا فلابد أن يأتينا (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

    فلا يليق بذا أن ننزل من مرتبتنا التي هي السيادة إلى مرتبة العبودية ، وهو يقول كونوا عبيداً لي ونحن نكون عبيد ما خلق لنا فنكون عبيد عبيدنا

    ومن اتخاذ الأنداد الحزن على ما ينزل بنا من البلايا والمحن فإذا كان هو يقول (ولنبلونكم) فما للعبد لا يفهم عنه قولاً ؟ بلانا بنفسه اعتناء ، وفي المثل : الحجر من يد الحبيب تمر والحجر من يد الحبيب تفاح

    وإذا كان هو المبتلي فما أحلى البلوى فالحق ينزل البلاء ليجرنا به إليه (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) ومن عرف يد الحبيب هي الضاربة له قبلها ، وهو أرحم بنا منا بأنفسنا فما فعل ذلك إلا ليجمعنا عليه ، قال بعضهم : يقتل ويعزي ويبكي ! فكيف بكى ؟! إذ الفاعلون مظاهره فاعلون عنه ، فإذا ابتلى فليس له إلا الثناء على الله ليحوز ثناء الله عليه

    وفي الحديث القدسي : (عجبت لعبدي المؤمن أمره كل خير أنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمدني) فلا ينبغي الحزن إلا على التقصير في جانب الله ، ومن ثم كان رسول الله r متواصل الأحزان ولا يغتم لشئ إلا من أجل الله . وقد جرت عادة الله تلك في أحبائه الذين هم أكابر حضرته من الرسل فمن دونهم ، فمن ذلك وافق الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه في ذبح ولده إسماعيل لما طلب من الحق أن يهب له من الصالحين فبشره بغلام فولد له إسماعيل فأقبل عليه بالمحبة لكونه شيخاً كبيراً وما ولد له إلا في آخر عمره

    فلما بلغ مع السعي وهو ابتداء منافع الولد أمره الحق بذبحه يقول في ذلك (كنت خليلي وحدي فأردت أن تتخذ خليلاً ثانياً فيصير في القلب خليلان أذبحه) ، أمره بذبحه ولم ينزل عليه من عنده موتا لتعظم المصيبة ، قال له : (تولى ذبحه بنفسك لأنك في الخلة وتريد أن تميل إلى غيرنا)

    وقال (إني أرى في المنام أني أذبحك) ولم يقل له أمرني ربي أن أذبحك لئلا ينفره من ربه فيقع في قلبه كراهة ربه من حيث إنه أمره بذبحه ، وهو فهم الأمر له هو فقال له (افعل ما تؤمر) فعرف أنه مأمور من الله لا مجرد رؤيا ، فبذل نفسه لله ولم يقبل ذبحه وهو غافل فيبشر بلقاء الله لأنه مشتاق للقاء ربه فهو تعب ولا يستريح إلا بلقاء ربه ولذا قال r (لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه) فكيف بالأنبياء ؟! وإنما قال مع ذلك (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) ليطيب خاطر أبيه أي من الصابرين على فراقك لأنه حصل عنده أوان لقاء الحبيب الأكبر الذي هو الله ومفارقة الحبيب الذي هو الوالد فأعطى كل واحد حقه فقال : من الصابرين

    لأن اتخاذ حبيب ثان ينافي الخلة لأن معنى الخل تخلل محبة الله جميع أ-جزائه كما يتخلل الصبغ الثوب

    فيكون العرض حيث جوهره والجوهر حيث عرضه فلا يمكن بعد ذلك الانفصال ، كيف وهي (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) فلا تكشف كما تكشف صبغة الصباغ المجازي الذي يسرق صبغته من صبغة الله على أن بعض صبغ الصباغين لا تكشف

    قال بعض المقربين : لو تكلفت أن أرى غير الله ما استطعت ، وفي ذلك قيل :

    قد تخللت مسلك الروح مني ولذا سمي الخليل خليلاً

    أي كما أن الروح تتخلل البدن كله ولا تتحيز في جهة معينة دون أخرى مصبوغ بها البدن كله ، فهي كالزبد في اللبن ، وكسريان الماء في العود الأخضر ، والنار في الفحم

    والأنبياء كلهم لهم خلة من الله ولكن لما كانت رتبة الخلة العليا للخليل سمي بها ، وهذا معناه ، فالحق يطلق على كل واحد منهم الوصف الغالب عليه كموسى عليه السلام وسماه بالمكالم ولما كان رسولنا r أفضلهم في كل شئ قال فيه (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) يقول أنت أنا وأنا أنت ولم يثبت هذه الرتبة لغيره ، وأكد ذلك بقوله (يد الله فوق أيديهم) أي يدك التي فوق أيديهم يدنا

    (فلما أسلما) أسلم الخليل ولده للذبح وأسلم الولد نفسه لله وأبت السكين أن تذبح والحال أنها كانت حدتها تلتقط ناداه الحق (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) وفداه بذبح عظيم لأنه قد حصل المقصود من إخراجه من قلبه فليس الذبح مأموراً به إلا لذلك ، والخليل أسلم نفسه أيضاً حين ألقى في النار حتى إن جبريل قال له ألك حاجة ؟ فلم يلتفت إليه وقال له : أما إليك فلا وأما إلى الله فبلى ! فقال : سله فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي

    فتولى الحق إنجاءه بقوله (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) ولم يقل لجبريل : قل لها ولا للملك الموكل بالنار بنفسه وكذلك من ينزل التدبير إليه لا يكله إلى غيره ويتولاه بنفسه

    وكذلك يعقوب لما أقبل على ولده يوسف بالمحبة فرق الله بينهما كأنه يقول له ... أردت أن تعمل تلك العملة التي عملها أبوك إبراهيم هنا نحن نفرق بينك وبينه ولا نتركك أن تشتغل به (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) وهو من بيته ويوسف اشتغل عن الله بمحبة والده

    فلما جعلوه في غيابة الجب أوحى الله إليه ولم يح إليه قبل ذلك إلا الرؤيا قال الله (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا)

    فلما فقد حبيبه جاءه الحبيب الأكبر من باب (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) أي يخلفه بهويته وهوية الحق عين ذاته

    تنبيه : ليس من محبة السوى محبة النبى r لعائشة فإنه هو الذي قص علينا عن ربه ما وقع للأنبياء في ذلك كقصة الخليل ويعقوب ويوسف عليهم السلام

    وإذا علمنا ذلك من ورائه فعلمه بها أولى بل حبه r إلهي ، يحب بمحبة الله في جميع من يحبه من زوجاته وأصحابه وغيرهم وسائر أحواله حتى أولاده فلا يحب شيئاً أكثر إلا الذي يعلم أن الحق يحبه أكثر ، فحبه تابع لحب ربه فلا ابتلاء له في واقعة الإفك ، وحزنه فيها لله فإن آذاه هو أذى الله (إن الذين يؤذون الله ورسوله) فهو أجل من أن يحزن على فراق عائشة وإنما الواقعة كانت تأديباً لعائشة لكونها كانت تفتخر على أزواج النبي r لكون النبي تزوجها بكراً ولكونها بنت الصديق

    فكان تقول للنبي r : " أرايت لو كان لك واديان واد رعى قبلك وواد لم يرع في أيهما كنت ترعى إبلك ؟ فيقول r لها ( في الوادي الذي لم يرع) فأراد الحق أن يبين لها بواقعة الإفك أن ربه لا يحب الافتخار ولو بالحق ، لأن الافتخار من العظمة التي أنعم الله عليه بها فيقول بعد كل كلمة (ولا فخر) الحديث المشهور

    فنزل بأم المؤمنين عائشة ما نزل من القول فيها عتاباً لها على الافتخار ، فلذلك قال الله تعالى (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) يشير إلى ما فيه من الدواء للعجب ، وإذا ذاقت مرارة ذلك لا ترجع إلى الافتخار قال رسول الله r " لا يلدغ المؤمن مرتان من حجر واحد " فكلما وقعت له واقعة حفظها

    كان بعض الصوفية بالكعبة فلطم فانفقأت عينه ، وقيل : لو أنك اكتفيت فذاك وإن زدت زدناك : لكونها نظر بها إلى محرم وهكذا أحبابه لا يهملهم بل يعاقب على اليسير حتى لا يعودوا ويقع منهم ما يبعدهم عنه وغيرهم يملي له

    مر بعض الصوفية على حمار له ببيت بعض الحكام بمكة فلما حاذى بالحمار البيت مال عن الطريق فقال : عقلك أحسن من عقل الباشا ، فسمعه الباشا وهو في قصره ، فدعا به فقال له : ما بالك تشبه حمارك بي أو ما وجدت غيري من سائر الناس ؟ فقال له أعطني الأمان وأنا أخبرك . فأمنه فقال له : مررت يوما على هذا الحمار فلما وصلت إلى هذا المحل مال عنه من أجل تلك المرة الواحدة ، وأنت لم تعتبر بما يقع لك فصدقه وأخلى سبيله

    وقوله (وأنتم تعلمون) أنهم لم يخلقوكم ولم يخلقوا لكم ذلك

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 1:33 pm