السراج الاسنوى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

السراج الاسنوى

السراج الاسنوى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اسلامي صوفي اوراد وادعييه واحزاب للصوفيه


    كتاب الفيوضات الربانية لسيدى أحمد بن ادريس كاملا للقراءة الفصل السادس : اسم نبي

    avatar
    الامير شهيب


    عدد المساهمات : 9
    تاريخ التسجيل : 11/09/2010

    كتاب الفيوضات الربانية لسيدى أحمد بن ادريس كاملا للقراءة  الفصل السادس : اسم نبي   Empty كتاب الفيوضات الربانية لسيدى أحمد بن ادريس كاملا للقراءة الفصل السادس : اسم نبي

    مُساهمة من طرف الامير شهيب الأحد سبتمبر 12, 2010 5:33 am

    الفصل السادس : اسم نبي

    وفي الحديث ما معناه : إن الله لا يعذب مسلماً تسمى باسم نبي كرامة له من حيث اتحاد الاسم ، ولا يعذب الله سبحانه وتعالى من تسمى مؤمنا يقول : أنا المؤمن وقد سميتكم المؤمنين فقد وافق أسمكم أسمى فادخلوا في رحمتي ، وهذا أعظم الرجاء ، ثم قال : واجعل الخوف في معادلته فإنه ليس للتسويف هنا مسلك ، بل الرجاء يكون أكثر من الخوف لأنه ورد أن المحتضر للموت إذا كان عنده أحد فليذكره بالرجاء وسعة الرحمة

    كذلك الإنسان فإنه في كل حالة محتضر (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) فليس للتسويف هنا مدخل (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) ومن هنا يتولد التسويف ، يعني من طول الأمل وهو استبعاد الآخرة لا من الرجاء

    قيل لرجل صالح علمني فقال : أجمع لك التوراة والزبور والإنجيل والفرقان في ثلاث كلمات : أن تخاف الله تعالى خوفاً لا يكون شئ أخوف عندك منه ، وترجوه رجاء أشد من خوفك منه ، وأن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وفي الحديث " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء "

    وسئل رضي الله تعالى عنه عن قول الله سبحانه وتعالى (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك) من هو الظان هنا ؟

    فأجاب : بأن الظان هو الرجل لا يوسف ؛ لأنه لا يجوز الظن على يوسف عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه أوحى إليه الحق سبحانه وتعالى بتأويل الرؤيا ، والظن لا يغني من الحق شيئاً " وإياكم والظن فإنه أكذب الحديث " فكيف يظن يوسف فيما أوحى إليه ربه سبحانه وتعالى

    وقد غلط المفسرون في قول الله تعالى (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) أن الظن هنا في موضع العلم وليس كذلك ، بل الظن هنا في محله ، والمراد أنهم يظنون في صلواتهم تلك أنهم ملاقوا ربهم فيصلون صلاة مودع ، وهذه حالة الزمن أنه في كل حالة يترقب الموت

    وقال رضي الله تعالى عنه في تفسير قوله تعالى (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) رحلة الشتاء والصيف هي إتيان الحجيج إليهم : أي قريش في الشتاء إن كان الحج شتاء ، أو في الصيف إن كان وقت الحج في الصيف لأنهم يقبلون إليهم من كل فج عميق ، ويقتحمون الأخطار والمشاق ، يأتون بأرزاق أهل مكة (يجتبي إليه ثمرات كل شئ)

    وهذه المنة العظيمة عليهم ، أي غيرهم يسعى إليهم برزقهم مع مشقة عليه وأي مشقة ، يقاسون من الشدة والتعب والبرد إن كان الحج في الشتاء ، ومن ذة الحر إن كان الحج في الصيف ، وهم ماكثون قاطنون في أوطانهم كما تراهم الآن

    (فليعبدوا رب هذا البيت) الذي هو السبب في ذلك

    (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) لا كما ذكر المفسرون من أنها رحلة اليمن والشام يرحل إليها اهل مكة وهم قريش ، لأن الله سبحانه أراد أن يظهر لهم النعمة التي هم فيها

    وأما إذا سافروا بأنفسهم فهم كغيرهم من الناس ، بل يحمل إليهم من محاسن جميع الأرض وهم مقيمون في أوطانهم يأتيهم بها غيرهم ، وهذه هي النعمة العظيمة التي لا نعمة فوقها

    وسئل رضي الله تعالى عنه : عن قوله تعالى (أولم يكن لهم آية أن علمه علماء بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين)

    فقال : الضمير في يعلمه يعود إلى النبي r ، والعلماء منهم هم الذين آمنوا بنبينا سيدنا محمد r ، وأما الذين لم يؤمنوا به فليسوا بعلماء بل هم أجهل الجهال ، حتى إنه لما نزل قوله تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) قال بعض من أمن بنبينا وهو عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه ، بعد أن آمن بالنبي r : والله إنا لنعرفه أعظم من معرفتنا لأبنائنا ، لأن أبناءنا قد تخوننا أمهاتهم . فهذه آية لمن كفر وأي أية

    وذلك أن علماء بني إسرائيل آمنوا به لما علموا أنه رسول الله خاتم النبيين نبي الساعة ، والموصوف عندهم في التوراة والإنجيل كما قال تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) أي أن مثل كل منهم في التوراة والإنجيل ، وكما ثبت أن آدم سأل ربه أ، يريه صور بنيه : أي الرسل منهم ، فأراه صورهم ، فصورهم آدم وجعلهم في خزانة

    فلما وصل ذو القرنين سرنديب أخرج تلك الصور ليجعل لكل نبي تمثالاً ففعل ذلك ، ثم إن نفرا من المسلمين رحلوا إلى هرقل فهللوا حتى تحرك البنيان وغلق الأبواب ، فقال لهم هرقل : أهكذا يكون في بلادكم ؟ قالوا : لا ، وإنما وقع هنا لشئ يعلمه الله ، فقال هرقل : ما أحسن الصدق ، فسألهم عن النبي r فأخبروه ، فعمد إلى الصندوق وجعل يخرج صورا ويقول عند كل صورة : أهذه صورته ؟ وهم يقولون لا ، فلما وافق صورة من الصور قال ك هذا نبي الساعة وشأنه هذا ثابت إلى يوم القيامة

    فهذا يدل على أن النبي r وأصحابه أمثالاً عندهم في التوراة والإنجيل حتى لا يشكوا في معرفتهم ، فهم معروفون عندهم بالصفات والذوات فهماً ورؤية ، ولما رأوه بتلك الصفة التي فهموها ورأوها آمنوا به وهم على يقين لا يشكون بل أوضح من الشمس ، فهذه آية لمن كفر

    وقوله (ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم) أي القرآن (ما كانوا به مؤمنين) أي أنهم يعرفون أن النبي r من حين ولادته بينهم لم يجالس شاعراً ولا كاهنا ولا أحدا من بني إسرائيل ، فيقولون : تعلم شعرا أو سحرا أو أخبره بنو إسرائيل بسبب مجالسته لهم ، بل يعرفونه فيهم أميا لا يفارقهم ، فلما أقيمت عليهم الحجة لم يؤمنوا به

    قال الله تعالى : (ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم) بلسان فصيح (ما كانوا به مؤمنين) وذلك مثل قوله تعالى (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا) (ومن يضلل الله فما له من هاد)

    وسئل رضي الله تعالى عنه عن القاتل هل له توبة ؟ قال : نعم ، قال الله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) فيبدل قتله ذلك كأنما قتل كافرا في سبيل الله ، وعبادته لغير الله كأنما عبد الله في تلك المدة ، وزناه كأنه نكح أهله ، وكذلك ما رواه البخاري وغيره فيمن قتل تسعة وتسعين نفسا وحبرا ، وقتل البحر من أعظم البلاء

    وروي أنه بعد أن قتل سبعة وتسعين سأل حبرا ، فقال : لا توبة لك فقتله ، ثم ثانياً ثم ثالثاً حتى كملوا مائة ، فأتى حبرا عارفا بحقائق الأمور فسأله ، فقال : وما يمنعك من باب التوبة ؟ فقال : وكيف أصنع ؟ قال : اذهب إلى قرية كذا فإن فيها رجالا يعبدون الله تعالى فائتهم واعبد الله فيهم حتى يأتيك اليقين ، ففعل

    فلما وصل نصف الطريق قبض الله تعالى روحه ، فابتدرته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فاختصموا ، فجاءهم ملك فحكم بينهم أن يقيسوا مسافة الأرض من حيث سافر في التوبة وإلى المحل الذي يريده ، فإن كانت مسافة السير من حيث تاب إلى هناك أكثر كان لملائكة الرحمة ، فأمر الله تلك المسافة أن تمتد فامتدت ، والأخرى أن تنزوي فانزوت حتى كانت التي سافرها أكثر فخطفته ملائكة الرحمة

    وهذا الرجل من بني إسرائيل مع أن الله سبحانه وتعالى كتب عليهم (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)

    فهو كمن قتل الناس جميعا مائة مرة ، فما ظنك بمن كان من هذه الأمة وقد رفع عنهم إصرهم وبقي لهم الخير ممن سبق الأمم قبلهم ، فمن قتل منهم نفسا فما قتل إلا إياها لا يكون كمن قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ، فهو بالتوبة أحق وأجدر

    وأما ما قاله ابن عباس : لا توبة لك . فذلك رجل كان يقتل ثم يتوب فقال : هل لي من توبة ؟ فقال له : لا توبة لك لأن نيته أن يقتل ثم يتوب لأن ذلك إصرار ، وأما من فعل الذنب ثم بعد أن فعله تاب وندم وإنما غلبه هواه والشيطان وحكم عليه القدر ، فتلك توبة مقبولة لا محالة

    ومن ثم كان من الزجر الوارد في الكتاب أو في السنة يبقى على حاله كقوله r " سبعة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : الناكح يده ، والزاني بحليلة جاره ، والضارب والديه حتى يستغيثا ، والمؤذي جيرانه حتى يعلنوه ، ومدمن الخمر ، والفاعل والمفعول به إلا أن يتوبوا" وأمثال ذلك ، لأن معاملة الله سبحانه وتعالى لعبده يوم القيامة على مقتضى حكمته ، كذلك هذا الرجل الذي من بني إسرائيل قاتل المائة ، من ذا يعلم أن مثله يتاب عليه إذا قتل ؟

    وقد ورد في حديث أنه يخرج رجل من النار بعد كذا أعواما واسمه هناد وهو مقطوع بخروجه من النار إلى الجنة ، فأي مزية أعظم من هذه ، وفي حديث آخر " أنه توزن أعمال رجل فتستوى الحسنات والسيئات فيقال له : لو زادت حسنة لرجحت ودخلت الجنة ، فامض إلى الناس فالتمس منهم حسنة ، فيمضي على أناس لهم حسنات كالجبال ، فيستعطيهم حسنة فلا يرضون ، فيمر برجل له حسنة واحد وسيئات كثيرة ، فيقول له : خذ هذه الحسنة التي معي فإنك أحق بها مني لكونك بها تدخل الجنة ، فيقال له : خذ بيده وادخلا الجنة " وهذا الإيثار عند الله سبحانه وتعالى أمر عظيم

    فقال بعض أصحابه : وأنا سمعت أن رجلين انكسرت بهما سفينة فبقي أحدهما على لوح ، فالتفت إلى صاحبة وقال له ألك أهل ؟ قال نعم ، قال فاركب على اللوح فإنك أحق بالبقاء مني لأني ليس لي أهل ، ومنه رجل يأمر الله به إلى النار فيقول رب كيف تذهب رجلا شاب في الإسلام ؟ فيدخله الله تعالى الجنة ، ولو كان دخوله الجنة لشيبه لما دخل النار شائب ولكن معاملات الحق سبحاته وتعالى في ذلك اليوم على مقتضى حكمة الله ، وفيه يحاسب مثاقيل الذر

    وسئل رضي الله تعالى عنه : عن قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)

    فأجاب : إنه قد غلط في تفسيرها كثيرون بما ذكروا من أنه دس إبليس في النجم : تلك الغرانيق العلي ، وإن شفاعتهن لترتجي ، وهذا لا يحكم به عقل ، ولا يقول به من له أدنى مسكة من قواعد الإيمان ، فلو كان ذلك لحصل شك في جميع الكتاب والسنة ولبطلت الشرائع حيث تمكن إبليس من أن ينطق على لسان رسول الله r ، حاشا وأبعده الله أن يتمكن من ذلك ، ثم إن النبي r إذا اتفق له ذلك فكيف بسورة القصص التي اتفقت للنبيين قبله ، لم يسمع شئ من ذلك في كتاب منزل من الكتب المتقدمة ولا عن بني إسرائيل في حديث من أخبارهم ، ولا عن سلف ولا عن خلف ، ولكن تفسيرها ظاهر لا غبار عليه (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)

    وأماني الرسل وبغيتهم أن يؤمن قومهم ، فيلقى الشيطان في أمنيته تلك بأن يفسد عليه قلوبهم فلا يؤمنوا ، بل يقولون حين يدعوهم للإيمان كما قال قوم نوح (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) وقوم شعيب (يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد)

    ونحو هذا كثير ، فكل نبي يتمنى أن يؤمن قومه فيلقي الشيطان في أمنيته تلك (فسبح الله ما يلقى الشيطان) من قلوب من آمن منهم في قلوبهم (ثم يحكم الله آياته) في قلوبهم (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض)

    وذلك ما خيل لهم من أن نوحا بشر مثلهم وما هو عليهم بعزيز ، ومثل تصويره لهم أن تركم لما يعبد آباؤهم لا يكون ، وأنه من المحال (والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم)

    فانظر إلى عود الضمائر من قوله سبحانه وتعالى (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به) أي يعلمون أن ما جاءهم به رسولهم هو الحق فيؤمنوا به ، فالذي يلقى الشيطان يكون فتنة للذين في قلوبهم مرض والذين أوتوا العلم لا يؤثر فيهم ما يلقي الشيطان ، بل يعلمون أن ما جاءهم به رسولهم من الحق فيؤمنوا به

    وسئل رضي الله تعالى عنه : عن قوله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلى من ظلم) وفي قراءة (إلا من ظلم)

    فأجاب : إن (إلا) تكون استثنائية وتكون استدراكية ، وفي هذا الموضع يستقيم المعنيان ، فإن كانت استثنائية فالمعنى أن الجهر بالسوء لا يحبه الله إلا من ظلم فلا بأس ، وذلك حيث ينازع الرجل خصمه لولا أنه يجهر بالسوء لما ظهر الحق ، وعلى قراءة (من ظلم) بالفتح يقدر إلا من ظلمه ، وله شواهد من كلام العرب

    ولكن الاستدراك أولى بالمقام ، ويكون المعنى لا يحب الله الجهر بالسوء لكن من ظلم فلا يحث الله الجهر بالسوء منه ، بل العفو أولى به وهو الذي يحبه الله منه (وأن تعفوا أقرب للتقوى) ولا يكون العفو ممن ظلم إلا لمن نور الله بصيرته وهي درجة عظيمة فإن من فعل شيئا بالعبيد لاجل مولاهم فحق عليه أن يعامله بما عاملهم

    وقال رضي الله تعالى عنه : قال الله سبحانه وتعالى (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون)

    أي أخرج سبحانه وتعالى النخلة من النواة ، فالنخلة وهي حية تنمو أخرجها من النواة الميتة التي لا تنمو ثم أخرج من النخلة الحية التي تنمو التمرة الميتة التي لا تنمو ، كذلك الحبة وكذلك الإنسان ، فإنه تعالى أخرج هذا الحي الذي يقوى ، ويتحرك وخلق فيه العقل الذي عليه المدار من الميت وهو المنى

    ثم أخرج من الحي الذي هو الإنسان الميت الذي هو المنى ، ثم يعلم جل جلاله ما تغيض الأرحام وما تزداد ، والعلم في حقه هو بمعنى البصر فيعلم المعدوم كما يعلم الموجود ، ويبصر المعدم كما يبصر الموجود ، فإن هذه النواة والنطفة والحية من ذلك (وما تزداد) : أي ما يتخلق فيها ، والتي تتخلق يعلم كم منها إلى يوم القيامة (ويعلم مستقرها) أي ما يستقر منها

    يفسره قوله (فجعلناه في قرار مكين) (ومستودعها) وهو الذي يزلق عن الرحم إذا قضى أجله ، وهو إما نطفة أو مضغة ، وذلك من أول مني خرج وهو من آدم عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة ، والعلم في حقه تعالى بصر

    قال تعالى (بكل شئ عليم – بكل شئ بصير – بما تعملون بصير – بما تعملون عليم) فمتعلقهما واحد ؛ ثم إنه تعالى يعلم الشجرة التي في بطن النواة ، ثم ما يخرج من الشجرة من تمر ، فربما يكون في كل سنة وسق أو وسقان مدة عشرين أو ثلاثين سنة يعلم عدد هذه التمرات وهي في بطن تلك النواة إلى منتهاها ثم ما يغرس منها فتنمو منها نخلة ثالثة ثم رابعة إلى يوم القيامة ، وما لم يغرس بل يلقى ، كل ذلك يعلمه في بطن هذه النواة الواحدة ، وعلمه تعالى بمعنى البصر فهو يرى جميع ذلك حبة حبة وإنساناً إنساناً وهم في العدم ، فسبحان العالم جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره

    قال تعالى : (فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم) أتبع فلق الحب والنوى بفلق الإصباح وهو تنفس الصبح ، لما كور الليل على النهار ، وأولجه فيه أراد أن يكور النهار على الليل ويولجه فيه ، ففلق الإصباح كما يفلق إهاب الشاة إذا أريد سلخها (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار)

    وقد يشم بعض الناس لتنفس الإصباح رائحة كما يتنفس الإنسان فتخرج رائحة فمه (وجعل الليل سكنا) أي يسكنون فيه من حركات النصب والتعب (والشمس والقمر حسبانا) أي يعرفون بهما الحساب ولا يخفى ما فيهما من منافع لا تحصيها الأقلام (ذلك تقدير العزيز العليم)

    (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) أي فلا ينبغي أن يستنبط منها غير ما خلقت له كما يستنبط المنجمون من القرانات وغيرها ، لأن الشئ لا ينبغي أن يستعمل إلا فيما خلق له ، ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى خلق الثوم وجعله دواء لعلل كثيرة فهو خلق له ثم بسبب أكله تتأذى الملائكة ، حتى إنها إذا كانت رائحة الفم منتنة تختطف ما نطق به اللسان من خير من الهواء ، وإذا كانت الراحة طيبة ابتدرت لأخذه من داخل الفم ، لكن لما كان خلقه لمنفعتنا لم يضر تأذي الملائكة به ولم يحرم علينا ، بل هو جار فيما خلق له ، كذلك النجوم خلق لنهتدي بها في ظلمات البر والبحر فلا نتعدى ذلك

    (قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون) (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) أي منها ما يستقر في الأرحام ومنها ما يزلق منها ولا يتخلق بل يبتدره أجله ، وذلك معنى قوله تعالى (مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى) وذلك لأن العرب تسمى الخيل المحفوظة المربوطة التي يأتون إليها بعلفها ومائها مستقرة ، ويسمون ما أرسلوها ترعى وتسقى بنفسها مستودعة (قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا)

    هذا في مقابلة قوله تعالى (يخرج الحي من الميت) (نخرج منه حبا متراكبا) هذا في مقابلة قوله تعالى (يخرج الميت من الحي) ومن النخل من طلعها قنوان دانية) وهذا أمثلة ، إنما ذكر تعالى الحب أولا في مقابلة قوله (فالق الحب) (ومن النخل من طلعها قنوان دانية) في مقابلة قوله (والنوى) والدانية : هي ما سهلت على الإنسان أسبابها وإن كانت النخلة عالية لكنها باعتبار ما خلق الله سبحانه وتعالى للإنسان من الأيدي والأرجل دانية لأنه يلصق بها ثم يصعد فيها فيجني ثمرها (وجنات من أعناب) أخرجها من ميت كذلك (والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه) أي وجميع ما ذكر متشابه وغير متشابه

    فقد تكون الحبة الواحدة من العنب نصفها أسود ونصفها أبيض أو أحمر ، وكذلك التمر ، وكذلك الرمان قد تكون الحبة الواحدة ذات لونين ، ثم لظاهر كل حبة لون ولباطنها لون سبحانه وتعالى

    وقال رضي الله تعالى عنه لما سئل : ما هي الكلمة في قوله تعالى : (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون)

    فأجاب إنها قول الحق له " أسلم " ، ولأنه تعالى ربما كلم الأبناء وأراد بذلك الآباء مثل قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) وربما كلم الآباء وأراد الأبناء مثل قوله تعالى (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيمنا آتاهما فتعالى الله عما يشركون) المكلم آدم والمراد أولاده

    وقد غلط بعض المفسرين بأن قالوا هو آدم لأنه سمى عبد الحارث وهذا باطل من وجهين :

    أحدهما : أنه لا يستقيم هذا على قراءة (شركاء) لأنه سماه إذا فرضنا عبد الحارث وهو شريك واحد لا شركاء

    الثاني : أن آدم يعتذر يوم القيامة إذا قصد للشفاعة بذنبه الذي أخره من الجنة ولو كان ذلك لكان أهم وأعظم أن يعتذر به يوم القيامة ، والقرينة التي دلت على أنهم أولاده عود الضمائر للفظ الجمعية (فتعالى الله عما يشركون أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون) إلى آخر الآيات

    وهذه الكلمة التي جعلها كلمة باقية في عقبه هي التي وصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ، وليست الإسلام الذي هو نقيض الكفر ، كيف وهو الخليل ؟ إنما هو إسلام الأمر إلى الله سبحانه والاستسلام له ، كما أنه عليه أفضل الصلاة والسالم لما ألقى في النار قال الله سبحانه وتعالى لجبريل : أنزل على إبراهيم وائتمر له ، فنزل إليه وهو يهوى في الهواء وقال له : ألك حاجة ؟ فإن الله سبحانه قد أمرني أن أأتمر لأمرك ، فقال أما إليك فلا ، فقال : سل ربط ، قال : عله بحالي يغني عن سؤالي

    وذلك أنه عليه أفضل الصلاة والسلام لما رأى المقام مقام اختيار ليعرف الله سبحانه وتعالى جبريل قدر هذا الرجل الذي خرج من صلب من قالت الملائكة فيه (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)

    أجاب بهذا الجواب ليوافق ذلك المقام ، فتولاه الله تعالى بأن كلم النار من غير واسطة فقال (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) فتوقفت النار عن إحراقه لا غير ، لأن الله سبحانه وتعالى قال لها (على إبراهيم) فأكلت ما عليه من الحديد وهي القيود والأغلال التي كانت عليه تؤذيه

    وهذه معاملة الله تعالى لمن أسلم أمره إليه (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) فإنك إذا توسطت بالعبد ليعطيك شيئاً أو يدفع عنك شيئاً فما ذلك إلا لأحد أمرين : إما أنك ترى أن هذا العبد أكرم من سيده ، أو أن خزائن العبد ملآنة وخزائن السيد معطلة ، أو تعتقد أن العبد أقدر على دفع هذا الامر الذي تريد دفعه عنك من سيده ، أو أ،ه أشفق عليك من سيده أو أعلم بوجودك من سيده ، وهذا غير جائز ، نسأل الله عز وجل العافية من كل بلية

    قال الشاذلي رحمه الله عز وجل لما سئل عن الإسلام ، هو الاندماج في طي الأحكام من غير شهوة ولا إرادة ، وقال عمر بن عبد العزيز وهو مريض لما قيل له هل تشتهي شيئاً ؟ فقال ما يقضي الله تعالى

    وسئل رضي الله تعالى عنه : عن قوله تعالى (سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) قال : ذلك مثل قوله تعالى (سبحان الله عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)

    قال : ذلك مثل قوله تعالى (سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) أي إنما وصفوا الله سبحانه وتعالى بغير ما وصف به نفسه فهو منزه عن ذلك (وسلام على المرسلين) لأنهم لا يصفونه سبحانه وتعالى إلا بما وصف به نفسه

    وكذلك عباد الله المخلصون ، وهم يعبدون الله بإخلاص المحبة لا لأجل دنيا ولا لأجل أخرى ، فإن الله سبحانه وتعالى قال (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) وهو سبحانه وتعالى يريد الصحبة فكأنه قال : فأين الذين يريدوني

    ثم أفراد (الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) وعيس روح الله عليه الصلاة والسلام مر بقوم يعبدون الله تعالى فعبد الله معهم ثم قال : لماذا تعبدون الله سبحانه وتعالى ؟ قالوا : خوفاً من ناره ، فقال : قادر أن ينجيكم منها

    ثم رحل عنهم فمر بقوم يعبدون الله تعالى فعبد معهم ، ثم قال لهم لماذا تعبدون الله ؟ قالوا طمعاً في جنته وشوقا إليها ، فقال : قادر على أن يدخلكم الجنة . ثم مر بقوم فوجدهم يعبدون الله سبحانه وتعالى فعبد معهم ثم قال لهم : لماذا تعبدون الله سبحانه وتعالى ؟ قالوا : ابتغاء وجهه ، قال : هذه درجة المقربين وأنا أمرت أن ألازمكم . ثم جلس يعبد الله معهم ، فهؤلاء لا يمكنهم مفارقة الحق سبحانه وتعالى في الدنيا ولا في الآخرة ، فهم في الجنة على هذه الحالة لا يفارقهم تجليه . وسائر أهل الجنة إنما يزورونه في كل ثمان : أي قدرها فينظرون نظرة ينسون بها جميع نعيم الجنة ثم يتلذذون لذة تتنور بها وجوههم ويجدون من الراحة ما لا يخطر على قلب بشر ، ثم يعودون إلى أهليهم فيسرى ذلك التجلي إلى صور أهليهم فيتنورون ويكتسون نورا لم يعهد فيهم من قبل ، ثم لا يزالون متلذذين بنعيمها ما شاء الله ، ثم يجدون لها في أنفسهم شهوة كشهوة الجائع فيؤمرون بالزيارة وهلم جرا

    ثم مضى رضي الله تعالى عنه : يخوض في وصف الجنة فقال : أشجار الجنة جذوعها من ذهب ليس كذهب الدنيا ، إذا نظرت في الشمس حين تطلع أو حين تدنو للغروب فهو كذلك ، طول الغصن مسيرة ثمانية أشهر وعشرة أيام ، ظلالها لا من شمس إنما هي أنوار ، إنما يجدون لذلك الظل راحة ، ثم في حركة من حركاتهم وسكنة من سكناتهم يجدون راحة ولذة لا تخطر على قلب بشر ، ففي المشي يجدون لذة وكذا في القيام والاضطجاع لا كما في الدنيا ، لأنك إذا اضطجعت في الدنيا تحصل معك راحة بسبب التعب والنصب ، وفي الجنة إنما أنت تنتقل من لذة إلى لذة في جميع حركاتك وسكناتك ، وإنما يطلق عليه فعل أو قول أو عدم ، فكله راحة ولذة ولا تشبه واحدة واحدة

    ثم قال رضي الله تعالى عنه : وسأضرب لكم مثلا : إذا اجتمعت لذات الدنيا جميعها من منكوح من كل الدواب : أي لذة كل فرد ولذة جميع مشموماتها فرداً فرداً ونوعاً نوعاً ، وطعم كل مطعون كذلك ، ولذة كل ملك مال كذلك في ذات واحدة ، فكيف تكون لذة النكاح وقد صارت لذة كل فرد مجتمعة فيه كأنه قد جمعت عنده كل منكوحة حسناء وكيف طعم جميع المطعومات

    وقد صارت لذة كل فرد من آدمي وغيره مجتمعة عنده ، وقس عليها سائرها ، ثم إذا انتقلت منها إلى أدنى نعيم الجنة فهو كما تنتقل من طعم حنظل إلى طعم سكر ، ثم لو اجتمعت لذات الجنة : أي كل فرد منها في ذات واحدة من منكوح ومطعوم ومشروب وملبوس وغير ذلك لتجمع لك لذات جميع ما في الجنة

    ثم انتقلت من ذلك إلى نظر الحق سبحانه وتعالى فهو كا تنتقل من طعم الحنظل إلى طعم السكر وأهل الله لا يفارقونه في الجنة طرفة عين كما لا يفارقونه في الدنيا طرفة عين

    وقال رضي تعالى عنه : قال الله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) قدم الشر هنا للاهتمام ، لأنه ربما يكون الشر قائدا لجميع الخيرات أي أن السيئة وأي شر أعظم منها قد تكون سبب القرب من الله تعالى ، وذلك لأنه ربما أورث الذنب ذلا وانكسارا فيكون أعلى من الحسنة وأغلى ، فإن لكل دواء دواء وربما يعتري الإنسان عجب وزهو بالطاعة وذلكم داء ، فتلك سيئة وارتكاب الذنب دواؤها ، فإن بعض الأولياء ارتكب ذنبا فلما تاب منه قال : رب أنت كنت غنياً عن ارتكابي لذلك الذنب ، فقال له : قد كان اعتراك زهو فسلطت عليك ذلك الذنب ليزيله عنك ، فأنت الآن عندي أحب إلى من ذلك

    وقال r " لولا أن الذنب خير للمؤمن من العجب ما خلي الله بين عبده المؤمن وبين الذنب أبدا " قال الشاعر في هذا المعنى

    تداويت من ليلى بليلى من الهوى

    كما يتداوى شارب الخمر بالخمر

    وقال آخر :

    انظر إلى بعين قد فتنت بها

    وداوني بالتي كانت هي الداء

    وقال تعالى (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) وقال سبحانه وتعالى (إن الإنسان لظلوم كفار) أي يكفر الظلم بالتوبة والظلم له معنيان :

    الأول : بالنقص قال تعالى (كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً)

    والثاني : وضع الشئ في غير محله وكلما ظلم كفره بالتوبة ولهذا أتى بصيغة المبالغة ، وفي الحديث قال رسول الله r " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجأ بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم "

    وسئل رضي الله تعالى عنه عن قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل) ما معنى (إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ؟)

    فأجاب : إن الجنب لا يقرب الصلاة حتى يغتسل إلا إذا كان عابر سبيل فله أ، يقرب الصلاة بلا غسل ويتيمم ، وعابر السبيل هو أ، يكون في طريق مخوفة إذا اغتسل خشي أن يتأخر عن القافلة

    ثم سئل رضي الله تعالى عنه : عن (إذا) الشرطية في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) الآية فقال : يؤخذ منها مفهومان

    أحدهما : للوجوب

    والآخر : لا للوجوب ، أما الذي للوجوب فهو إذا كان محدثا

    وأما الذي لا للوجوب فحيث يكون متوضأ فهو أمر ليس يقتضي الوجوب إنما هو نور على نور والنبي r كان يتوضأ لكل صلاة إلا في جمع حصل له r ، فكان يصلي الصلاتين بوضوء واحد كعرفات ومزدلفة

    وقال رضي الله تعالى عنه : قال الله تعالى (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) أي محجوباً ، وذلك أن النبي r كان الله سبحانه وتعالى سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ... الخ ، وذلك أن العبد متميز عن المعبود فلا امتزاج ، وهم يرون العبد ولا يرون المعبود ، لأنه تعالى محجوب عنهم ، وحقيقة النبي r يرونه في حين العبودية لكنهم لا يرونه ، بل بينه وبينهم حجاب مستور فهم يرونه ولا يرونه ، وهذان ضدان لا يفترقان وذلك مثل المرأة ، فإنك ترى صورتك فيها بلا شك وأنت تعلم أنها ليست فيها

    كذلك البحران فإن الله سبحانه وتعالى مزجهما وأحدهما ملح والآخر حلو وبينهما برزخ ، وهذا البرزخ ، وهذا البرزخ لا يدرك بل لا يعرف إلا بالذوق فإذا شربت من هذه الجهة وجدته حلوا ، وإذا شربت من هذه الجهة وجدته مالحا

    وقال رضي الله تعالى عنه : قال الله سبحانه وتعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) أي إن الصلاة المقبولة وهي الكاملة الجامعة لشروطها بتأدية أركانها تامة وتأمل معاني القرآن فيها والخشوع الذي هو روحها ولا تقوم الذات إلا بالروح ، وفي الصحيح أن قارئ الفاتحة في الصلاة إذا قال : الحمد لله رب العالمين قال الله : حمدني عبدي إلى ... آخره ، وقد تقدم في أثناء هذه الكراريس فهذا ذكر الله للعبد أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر

    ثم أخذ رضي الله تعالى عنه في تفسير الفاتحة

    قوله تعالى : (الحمد لله رب العالمين) أتى هنا برب العالمين : أي رب جميع عوالم هذا العبد

    ولما علم تقصير العبد وعجزه عن الحمد حمد نفسه ، بنفسه ولم يقل ربي لأنه سبحانه وتعالى يحمد نفسه بلسان عبده ، وكل من أراد به خيرا حمد نفسه بلسانه ، فما أعظم هذه المزية لهذا العبد الذي يحمد الله نفسه بلسانه ، وبسبب مروره على لسانه يأجره عليه ويجازيه ويقربه في الدارين وبالنعيم الدائم ، فلله الحمد على الحمد ، لأن الإنسان حال قراءة القرآن نائب عن الله تعالى

    قال الله سبحانه وتعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) فأضاف الكلام إلى الله تعالى ، مع أن الناطق به رسول الله r

    وقوله تعالى : (الرحمن الرحيم) لما ذكر اسمه جل وعلا ترقب السامع بأي صفة يصف الله نفسه ، ثم استشعر صفة تخويف كالجبار والقهار ، فقال سبحانه : لا خوف عليك لأنه الرحمن الرحيم ، وهما اسمان في أعظم مراتب الرجاء

    قال تعالى (مالك يوم الدين) لما ادعى العباد أن لهم ملكا في الدنيا عاملهم بقدرهم ومقتضى جهلهم ، وإلا فهو المالك في الابتداء والانتهاء ، ولم يذكر ملك الدنيا لأنها لا تعدل عنده جناح بعوضة ، فذلك استهانة بها وإظهار لحقارتها ، وفيه تخويف للكافرين وتأمين للمؤمنين : أي أن الله سبحانه وتعالى ملك يوم الدين ، وهو الذي تنزل فيه الشمس بقدر ميل حتى يلجم العرق الناس ، مع هذا يحاسب على مثاقيل الذر

    (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) فالمؤمن يستبشر بذلك ويعلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم بخفيات أعماله الحسنة وظواهرها وصلاته تلك وهو فيها يعلم أنها ستعرض ف ذلك اليوم عند من يقول مالك يوم الدين فيزيدها تحسينا ، والكافر يزداد تهديداً وتوعيداً

    ثم قال تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك في عبادتنا إياك

    (اهدنا الصراط المستقيم) الصراط المستقيم : هو صراط الله : أي الموصل إلى الله بسرعة لأنه لا اعوجاج فيه (وأن هذا صراطي مستقيما) فإذا أحب الله شخصاً كان سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به إلى آخره ، وسلك به صراطه المستقيم ثم صراطه المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم

    قال تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) وهم الذين أحبهم الله وهداهم إلى الإسلام ، فقد أنعم عليهم بأعظم نعمة ، إذا لو أوجدك في دار كفر ما عرفت إلا ما هم عليه وكان عندك ما هم عليه هو الصراط المستقيم

    وقال تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) المغضوب عليهم فسرهم النبي r بأنهم اليهود ، فهم مغضوب عليهم لأنهم ما عبدوا الله قبل ظهور النبي r إلا بما يطابق أهواءهم ليس لله خالصة ، إذا لو كانوا مخلصين في عبادة الله من قبل لآمنوا بالنبي r ، لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم ، وإبليس كان يعبد الله قبل خلق آدم ، لكن لحلاوة يجدها عند العبادة والتذاذ ، فلما أمره الله بالسجود لآدم لم يجد تلك الحلاوة واللذة فأبى واستكبر ، وكان إبعاده ولعنه ، وانقلبت أنواره ظلمة ، وحلاوته مرارة ، وقربة بعدا ، وإمهاله إنما هو في مقابلة ما عبد الله من قبل ، فهو كالخزي لأن الله تعالى لا يضيع عمل عامل ، ولو كان له العقل الوافي لما سأل الإنظار – أي الإمهال – بل لو سأل الموت في تلك الحالة كان عذابه عذاب كافر ولا يعذب عذاب جميع من أطغى

    (ولا الضالين) فسرهم النبي r بالنصارى ، لأنهم قصدوا الله سبحانه وتعالى لا من الصراط المستقيم ، بل جعلوه عيسى وجعلوه متحيزا ، فهذا هو الضلال ، كذلك المسلم ربما كان يصلي ولا يبتغي بها وجه الله ، بل يرائي بها أو لأجل شئ غير الله ، فهو في غير صراط الله ، بل هو في صراط المغضوب عليهم ، وإذا عبد الله بغير ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله : فقد سلك صراط الضالين ، اللهم ألهمنا رشدنا

    ثم إذا قلت أمين فمعناها اللهم كما هديتنا وأنعمت علينا بالوقوف بين يديك على هذا الوجه الذي شرعه لنا رسولك r فأنت مبتدئ بهذا الإحسان العظيم ، والكريم لا يرجع فيما وهب فأمتنا على هذه النعمة ، حاشاه يختم بالإساءة وهو بالإحسان بادئ ، وهذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها علينا إذا شكرناه عليها زادنا منها

    قال الله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) فإنه أقدرنا على الصلاة بأن خلق لنا أعضاء يمكننا بها إتمام أركانها فشكرها أن نستعملها فيما خلقت له ، ثم هدانا إلى الإسلام الذي هو النعمة العظمى فشكره أن نؤدي ما وضع له ، ثم شرع لنا الصلاة التي هي عماد الإسلام فشكرها أن نؤديها على الوجه المشروع في كل يوم ، والجميع في زيادة إلى مالا نهاية له يزيدك في كل نعمة من جنسها والحمد لله رب العالمين

    وقال رضي الله تعالى عنه : قال الله سبحانه وتعالى عنه : قال الله سبحانه وتعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) والعبد مفتقر إلى سيده بقدر مطالبه فلا شئ في الدنيا إلا والإنسان محتاج إليه لا تستقيم حياته إلا به ، أو شئ العافية أنت مفتقر إليه سبحانه وتعالى في إعطائه إياك العافية ثم إذا صرت في عافية فأنت تحتاج إلى كل ما تستدعيه العافية من منكوح ومطعوم ومشروب وملبوس ومحتاج إلى ذوق تأكل به المأكول وتشرب به المشروب ، وإلى شم تشم به المشموم ، وسمع تسمع به المسموع

    وغير ذلك من جميع الجوارح والأعضاء ومحتاج إلى شمس وقمر ونجوم وسماء ومطر ونبات ودواب وأنعام وبر وبحر ، بل إلى جميع ما في السماوات وما في الأرض التي هي مسخرات له ، فهو في جميع ذلك مفتقر إلى ربه تعالى ، ثم افتقاره في الآخرة إليه أعظم من افتقاره إليه في الدنيا لأنه حاجته في الآخرة أكثر وبقدر الحاجات يكون الافتقار

    وقال رضي الله تعالى عنه : قال الله تعالى (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)

    فقوله (فظن أن لن نقدر عليه) أي نضيق عليه ، كقوله تعالى (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) أي ضيق عليه رزقه ، وقوله تعالى (يبسط الرزق لمن شاء من عباده ويقدر) لأنه لا يظن أحد أن الله لا يقدر عليه ، فما ظنك بالنبي r

    ثم لما ظن هذا الظن ضيقنا عليه في ظلمات ثلاث لأنه أوقف الرحمة عليه ولم يطلقها عليه وعلى قومه ، فضيقنا عليه ووسعنا على قومه ، قال تعالى (إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) فهم ممتعون باقون في الحياة

    ولكن هذا التضييق من الحق تعالى لنبيه يونس عليه الصلاة والسلام هو عين التوسيع لأنه تأديب ، وأي توسيع أعظم من تأديب المولى لعبده وبه الفوز والفلاح والنجاة

    وقال رضي الله تعالى عنه : النكتة في إيراد قصة الهدهد في سورة النمل قول سليمان عليه الصلاة والسلام (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين) فقوله : أوتينا من كل شئ ، فيه نوع زهو ونزر يسير من رائحة فخر خفي ، فأجرى الله سبحانه وتعالى على لسان الهدهد (أحطت بما لم تحط به) تأديباً له عليه الصلاة والسلام بهذا التبكيت

    ثم أنطق الله سبحانه وتعالى الهدهد بقوله (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون) هذا فأخرج الله سبحانه وتعالى الخبء الذي كان في طي سليمان عليه الصلاة والسلام بقصة الهدهد

    وأتى من صفات الحق تبارك وتعالى بقوله (الذي يخرج الخبء) ولما تأدب عليه الصلاة والسلام بآداب الحق جل وعلا قال لما رأى عرش بلقيس عنده قبل أن يرتد إليه طرفه ، وهذا الحد لا يتعذر دونه أبدا (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أو أكفر)

    وأراد أيضاً أن يؤدب بقوله هذا : أي قوله (ليبلوني أأشكر أم أكفر) أصف لئلا يستفزه شئ من الشيطان لأنه قال (آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فهو عليه الصلاة والسلام أضاف العبارات ، فسبحان الله العظيم ، ما أبلغ هذا الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

    وقال رضي الله تعالى عنه : قال الله تعالى (ففروا إلى الله) فأطلق المفرور منه وقيد المفرور إليه . أي ففروا فراراً مطلقاً من كل شئ إلى الله ، حتى إنه بلغ الحال بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لما قيل له نأتي لك بطبيب ؟ قال : الطبيب أمرضني ، ففر من ألمه إلى الله سبحانه وتعالى . فإذا أهمك أمر فر منه إليه سبحانه وتعالى ، فإذا سلط عليك مثلا عدو فإن قابلته بالحول والحيل والعدد وجعلتها مجردة للمدافعة فقد فررت من الله لأنه هو الذي سلط عليك ذلك العدو إلى ما معك من الجند والمال ، نسألك اللهم عافيتك ، وإن جعلتها إنما هي أسباب وليطمئن بها القلب

    قال الله سبحانه : (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم) مع كونك معتقدا اعتقادا تاما أن النصر من عند الله وخرجت لقتال عدوك وأنت واثق بالله لا أنك معتمد على جندك أبدا ، قد فررت من العدو إلى الله تعالى

    كذلك الفقر إذا ابتلاك به ، فإن فررت منه إلى قصد مخلوق أو حرفة فقد فررت من الله إلى من قصد منافعه ، وإن فررت منه إلى الله وسلكت معنى دعاء رسول الله " لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك " كنت فارا من الفقر إلى الله سبحانه وتعالى ، فإن بعض أهل الحرف من الصالحين حدثته نفسه في بعض الأيام وهو شات – أي من أيام الشتاء – شديد البرد إن لم تداوم على حرفتك فمن أين تأكل ، فحلف أن لا يطعمها مما كسب من تلك الحرفة شيئاً إنما أبقى فيها لقضاء حوائج الناس منها ، فهذا معنى قوله تعالى (ففروا إلى الله)

    والحمد لله أولاً وآخراً



    تم النقل بحمد الله ونسالكم الدعاء يا أخوتى
    الامير شهيب تلميز
    الشيخ فارس علي ابراهيم محمد عبد الدائم الجزيري الاسنوي شيخ الطريقه الاحمديه الادرسيه بقنا والاقصر واسوان بمصر المحروسه
    منقول للفائده

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 10:46 pm